د. بلقاسم شعبان،
قسم اللّغة والأدب العربي، كلية الآداب والّلغات، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، الجزائر
الملخص
إنّ الدارس المنــصف للموروث الأدبيّ العربي القديــم يُدرك مِن غير عناءٍ البصمة النادرة للعقل الفارسيّ ومُساهمته الجبّارة في التقعيد والتّنظير وبلورة المعارف ، فقد استهلّ رُوادُه مـيدان التدوين برويّــة واقتدار منهجيٍّ ،ثـــمّ اشتغلت كوكبةٌ من الدّارسين على تصنيف الأجناس الأدبية القديمة ، وفي المقابل جادت قريحةُ شُعراء الفُرس وكُتّابهم بفيضٍ من النّصوص ،أقلّ ما يمكن أن تُوسَم بِه ؛أنّها فكّت الخناق عن الشّـــعر العربيّ الذي ظلّ أســير الأشكال القديمة ،كما مهّدت الطريق لوثبة معرفية كبيرة بما جدّ فيها من أشكال نثريّة سُرعان ما أزاحت هيمنة الشّعر الطويلة على الذهنية العربية، وأحــدثت خلخلة في العـقل العربيّ سواء من حيـث رُؤيـة الوجود ، أو أنســاق التفكير، أو أنـماط الكتابة وأساليبها ، وعليه لا نُـغالي إنْ اعْـترفنا أنّ الأدب العربيّ استثمر فـي العقل الفارسي علْما وشعـرا ونثرا، ولولا ذلك ما بلغت العربيةُ ما بلغتْه من بُروزٍ وانفتاحٍ، ولا احتوتْ مكتباتُها ما احتوتْه من كُنوز فاقت شُــهرتُها الأمصار، وأمـام عُمق الثـقافة الفارسية وحـيويتها، واحـتكاكها بالثقافة العربية الإســلامية تـثاقُفا وعطاء، وتِبَعا لما خلَّـفتْه زُبدة القُــرون الأولى من إنتاج أدبيّ رفيعٍ ،ارتأينا في هذه الورقة البحــثية استنطاق بعــض النماذج الشعرية والنثرية ، لأنّ النصَّ الأدبيَّ – في اعتقادنا- يُؤدّي دورا بارزا في نـقل الحُمولة الثـقافية من أمّـة إلى أخرى، والاشتـغال عليه نقــديا يُنتج مَعْرفَة بطبيعة تلك الأمّة، وعن زاوية المـقاربة نُموقِعُ هذه النصوص في فضاء النقد الثقافي، الـذي يُحاول كشف أنظمتها العقلية المُضمرة والخلفيات الثّقافية المُتحكّمة فيها.
الكلمات المفتاحية: المثاقفة، الإبداع ،النقد الثقافي، الرؤية الكونية.